بتاريخ  25 جوان  1503جنحت سفن المستكشف الايطالي كريستوفر كولومبوس  في  خليج القديسة حنا شمال جزيرة جمايكا  بعد  تعرضها لأضرار  نتيجة العواصف واجهتها في رحلته الرابعة، ما يعني مواجهته و طاقمه للعزلة  و لخطر الهنود الحمر الذين اتفق معهم في البداية  على تزويده بالطعام مقابل بعض  الأشياء التي تستهويهم مثل القبعات ، الخرز ، الأجراس ....الخ.

      ومع مرور  الأيام،الأسابيع و الأشهر و غياب أي خبر عن القارب الذي أرسله لطلب النجدة من جزيرة هيسبانيولا" هايتي و الدومينيكان"  تدهور الوضع  و من ذلك تَناقُص كمية المؤن التي  تعود البحارة على الحصول  عليها من الهنود،فالأشياء التي تَعَوَّدوا على تقديمها لهم مقابل الطعام لم تعد مَثَارًا لاهتمامهم كما حصل في البداية،و بناءً على ذلك و من موقعه كمسؤول على الوضع كان كولومبوس مطالبًا   بإيجاد  حلٍ  لتأمين الطعام و إسكات البطون الجائعة لوقت أطول،خاصةً و أنِّه  لم أفقد  الأمل بعد في وصول النجدة  من هيسبانيولا.

     و لأنه كان على علمٍ بموعد خسوف القمر المتوقع يوم29 فيفري 1504  وعلى دراية بطريقة تفكير الهنود، فقد تبادرت إلى ذهنه فكرة استغلال هذه الظاهرة الفلكية لصالحه،إذ قُام باستدعاء زعماء القبائل الهندية إلى اجتماع ،و أخبرهم بأَنَّه و رجاله عباد الله الذي يسكن في السماء و هو الذي يعاقب على الأعمال الشريرة، وأنَّه يتعين عليهم الإيفاء باتفاقهم معه و الاستمرار في تزويده بالطعام،وإلا سيعاقبهم و بأنَّ الله غاضبٌ عليهم  وسيخفي عنهم القمر إن لم يفعلوا ذلك .

    و مع أولى لحظات الخسوف أصيب الهنود بالفزع،و تعالت صرخاتهم خوفًا مسارعين نحو كولومبوس  يرجونه التوسط مع الله لأن لا يعاقبهم،و يعيد إليهم القمر ،متعهدين بتزويده بالطعام بقدر ما يشاء،و لأن الخسوف ظاهرة فلكية محدودة زمنيا،فقد طَلَبْ منهم الانتظار لبعض الوقت متوجهًا  إلى مقصورته،متظاهرًا بقدرته على التوسط مع الله،وبمجرد بزوغ ضوء القمر خرج و أخبرتهم بأنَّ الله رضِيَ عنهم بشرط أن لا يكرروا فعلتهم.فاستقبلوا ذلك بفرح كبير و أصبحوا ينظرون إلى كولومبوس  باحترامٍ ممزوج  بالرهبة من قدراته الخارقة على حد تصورهم،و بذلك تجاوز أزمة الطعام و الماء الذي أصبح يصله بكمياتٍ كبيرة.

                                                                             حكيمي عبد الجليل